قرب مدينة سياتل الأميركية وفي عمق غابة من السرو، يختبئ بناء صغير مربع، مكون من أربعة طوابق، لا يزيد ضلعه عن مئة متر، من دون نوافذ، ويحمل الرقم 99، وقد احتشد فيه عشرات من العلماء والفنيين العاملين في الحقل الطبي، وتئز فيه كمبيوترات متقدمة، تعس في جسد الإنسان. فهناك «إيفان تارابوف» وهو يمسح دماغ مريض مصاب بسرطان البروستات، ليحدد الطبقات التي تحد حواف السرطان، تمهيداً للمعالجة الشعاعية. أما «ديزني تان» فهو يشحذ جهازه لبناء مصائد إلكترونية، للقضاء على فيروس «الزيكا» الذي يضرب الرضع، فيضغط جماجمهم ويسلب آدميتهم. لقد ضخت شركة أمازون مبلغ 16.1 مليار دولار في مشاريع قهر السرطان والعلاجات المتقدمة، وتلحقها شركة جوجل بمبلغ 13.9 مليار، والثالثة مايكروسوفت بمبلغ 12.3 مليار، وآبل بـ10 مليارات، وفيسبوك بـ5.9 مليار، ثم شركة باير الدوائية الألمانية بـ5.2 مليار. ولكن كيف سنقفز بالآلة (الكمبيوتر) إلى التحدي المزمن، الذي أعجز أطباء العالم، في قهر السرطان حتى اليوم ومن أي بوابة؟ جوجل طورت نظاماً لوغارتمياً لمراقبة سرطان الجلد، ويمكن معالجة الكآبة بـ«السوفت وير»، كما أن احتشاء القلب يمكن أيضاً معالجته عن طريق تقنية «النانو». هذا في حين نحا مارك زويكربيرج صاحب الفيسبوك طريقاً مختلفاً حيث قال: إذا كان سر السرطان في الخلية، ومنه يبدأ السرطان برنامجه التخريبي، فعلينا إذن وضع أطلس كامل للخلية كما فعلنا مع تشريح الجسم (Cell-Atlas). وأما «هويفونج بون» فيقود «مشروع هانوفر» ويعلق على عمل الأطباء بقوله، إنه يتأرجح دوماً في زوابع الاحتمالات، ولا يقود للدقة المطلقة قط، خلافاً لعمل الذكاء الصناعي والكمبيوترات المتقدمة، التي تقفز من دون توقف كل 18 شهراً بقوة مضاعفة، حسب «قانون مور» المعروف. وتعتمد الخطوة الأولى حسبما ظهر للسطح في هذه الخطة الطموحة، على نقل المصطلحات الطبية إلى الذكاء الصناعي فيلقم، وهناك ما لا يقل عن 27 مليون ورقة بحث في السرطان، ويتدفق كل يوم الجديد. ويقول «هويفنج بون» إن هذا أمر يعجز عنه أفراد الأطباء، في حين يستطيعه عالم الديجتال الجديد فقط، ويعرض «بون» بعضاً من الفتوحات الطبية في ثلاث صور، الأولى لسرطان جلد مستشرٍ تمت دراسته في عالم الديجتال ومعالجته، وصولاً إلى اختفائه في الصورة الثانية تقريباً، ثم المفاجأة في الصورة الثالثة من تمرد غير متوقع، حين بدأ السرطان يقفز إلى عالم الطفرة (Mutation) فيفلت من السيطرة! وما وصل إليه الأطباء حالياً في معالجة السرطان هو المزج الدوائي، أي إدخال عنصرين أو أكثر في ضرب معاقل السرطان، وهو أمر ابتكره الأطباء في محاربة السل، حين مزجوا بين «الستربتومايسين» و«الباس» و«الأيزونيازيد». ولكننا في المزج الدوائي أمام معضلة فعلية، فهناك 200 مادة معروفة حتى اليوم تستخدم للعلاج، وتحت التطوير 1200 مادة، فإذا ذهبنا إلى المعالجة المزجية بين اثنين من العناصر، كانت الاحتمالات أمامنا مئات الآلاف! أما إذا بدأنا في مزج ثلاثة، فإن الرقم يصل إلى 300 مليون احتمال، وهو رقم يصاب الإنسان أمامه بالدوار، بين المحاولات والزمن والجهد والنتائج. وهنا بالضبط يتدخل عالم الديجتال والأرقام والذكاء الصناعي كحل فعال، ففي سرطان الدم اللوكيميا مثلًا كانت لعبة المزيج هذا أمام 11026 احتمالًا، وخلال سنتين جربوا 102 منها، أما البقية الـ10900 فيمكن لعالم الديجتال أن يفك كثيراً من طلاسمها في أسابيع قليلة، بدل عقود من الانتظار، فهذه هي الثورة الجديدة في عالم الطب. ومن تطبيقات هذه النماذج نذكر أيضاً فك الجينوم في سرطان الدماغ، وكشف التوحّد قبل أن يستفيق في الأشهر الستة الأولى، أو يطل بقرنه في الشهر 18. ومنها أيضاً تشخيص مشكلات القلب، من دون الاعتماد على مخطط كهربي قلبي طويل الأمد، وكذلك مساعدة أطباء الأشعة على تحديد حواف الأورام بدقة فائقة، لمعالجتها بالطريقة المناسبة. ومن فرائد هذه النماذج أيضاً مساعدة المريض في الدخول إلى عالم الديجتال ليستفتي طبيباً من دون الانتظار المضني لساعات طويلة، حتى يمن الطبيب على المريض بعد انتظار خمس ساعات ليتفرغ له في خمس دقائق.